مقدمة
شهدت مصر في الفترة بين أواخر القرن
التاسع عشر ميلادي ، و أوائل القرن العشرين تكون جيل من العلماء
الموسوعيين في كافة المجالات ، استطاع ان يقود الحياة الثقافية في مصر و
العالم العربي ردحا من الزمان ، واستطاع أيضاً ان ينير الطريق الثقافي
للأجيال التي جاءت بعده لتبني علي مجهوداته و لتكمل مسيرته وقد رأي هذا
الجيل أن يقود الناس من خلال الكلمة و الفكر قبل السياسة و الحكم ، و لذلك
اهتم اهتماماً قل نظيره بتثقيف نفسه ، فتعامل مع الينابيع الصافية و
الأصيلة للحضارة و الثقافة العربية و الإسلامية ، و في الوقت نفسه تعامل
وتفاعل مع الحضارة و الثقافة الغربية .
النشأة
ولد أحمد أمين
إبراهيم الطباخ في ( 2 من محرم 1304 ه = 11 من أكتوبر 1886م) في القاهرة ،
و كان والده أزهرياً مولعا بجمع كتب التفسير و الفقه و الحديث ، و اللغة و
الأديب ، بالإضافة إلي ذلك كان يحفظ القرآن الكريم الذي يتلوه أبوه صباح
مساء . و إهتم والده به منذ الصغر ، وساعده في حفظ القرآن الكريم ، وفرض
عليه برنامجاً شاقاً في تلقي دروسه وعوده علي القراءة و الإطلاع ، كما كان
الأب صارماً في تربية أبنه يعاقبه العقاب الشديد علي الخطأ اليسير ؛ و هو
ما جعل الابن خجولاً ، و عرف عنه أيضاً إيثاره للعزلة ، فاتجه إلي الكتب
بدلاً من الأصحاب ؛ فمنت عقلية علي حساب الملكات الأخري .
مدرسة القضاء الشرعي
وقد
نشأت في تلك الفترة مدرسة القضاء الشرعي التي اختير طلابها من نابغي أبناء
الأزهر بعد امتحان عسير ، فطمحت نفس أحمد إلي الالتحاق بها ، واستطاع بعد
جهد أن يجتاز اختباراتها ، و يلتحق بها في (1325 ه = 1907م ) ، وكانت
المدرسة ذات ثقافة متعددة دينية و لغية و قانونية عصرية و أدبية ، و
اختيار لها ناظر كافء هو " عاطف باشا بركات " الذي صاحبه أحمد أمين ثمانية
عشر عاماً ، و تخرج في المدرسة سنة (1330ه = 1911م) حاصلا علي الشهادة
العالمية ، واختاره عاطف بركات معيداً في المدرسة فتفتحت مفس الشباب علي
معارف جديدة ، و صمم علي تعلم اللغة الإنجليزية فتعلمها بعد عناء طويل ،
وفي ذلك يقول :"سلكت كل وسيلة لتحقيق هذه الغاية ". و شاءت الأقدار أن
يحاط وهو بمدرسة القضاء الشرعي بمجموعة من الطلاب و الأساتذة و الزملاء
لكل منهم ثقافتهم المتميزة واتجاهه الفكري ؛ فكان يجلس مع بعضهم في
المقاهي التي كانت بمثابة نواد وصالونات أدبية في ذلك الوقت يتناقشون ،
واعتبرها أحمد أمين مدرسة يكون فيها الطالب أستاذا ، و الأستاذ طالبا ،
مدرسة تفتحت فيها النفوس للاستفادة من تنوع المواهب . وكان تأثير عاطف
بركات فيه كبيراً ؛ إذ تعلم منه العدل و الحزم و الثبات علي الموقف ، كان
يعلمه في كل شيء في الدين و القضاء و في تجارب الناس و السياسة ، حتي إنه
أقصي عن مدرسة القضاء الشرعي بسبب وفائه لأستاذه بعدما قضي بها 15 عاماً
نال فيها أكثر ثقافته وتجابه ؛ لذلك قال عن تركها :" بكيت عليها كما أبكي
علي فقد أب أو أم أو أخ شقيق "
القضاء و العدل
شغل أحمد أمين وظيفة
القاضي مرتين الأولي سنة(1332ه= 1913م) في "الواحات الخارجة" لمدة ثلاثة
شهور ، أما المرة الثانية فحين تم إقصاءه من مدرسة " القضاء الشرعي " لعدم
اتفاقه مع إدارتها ،بعد أن تركها أستاذه عاطف بركات ، وأمضي في القضاء في
تلك القترة أربع سنوات ، عرف عنه فيها التزامه بالعدل وحبه له ، حتي صار
يلقب بـ"العدل" ، واستفاد من عمله بالقضاء أنه لايقطع برأي إلا دراسة و
تمحيص شديد و استعرض للآراء و الحجج المختلفة ، ولم تترك نزعة القضاء نفسه
طيلة حياته بدءا من نفسه حتي الجامعة .
السياسة
كانت السياسة عند
أحمد أمين تعني الوطنية لا يرى فرقا بينهما، وترجع معرفته بالسياسة و
أقطابها إلي أستاذه عاطف بركات ، وقد أعجب الزعيم سعد زغلول به و بوطنيته
، و بدقة تقاريره التي كان يكتبها عن أحوال مصر إبان الثورة 1919 ، ورغم
ميله للوفد فأنه لم يشارك في السياسة بقدر كبير خوفا من العقوبة ، وفي
صراحة شديدة يقول :"ظللت أساهم في السياسة و أشارك بعض من صاروا زعماء
سياسيين ، ولكن لم أندفع اندفاعهم و لم أظهر في السياسة ظهورهم لأسباب
أهمها لم أتشجع شجاعتهم ؛ فكنت أخاف السجن و أخاف العقوبة " . ولما قارب
سن الإحالة إلي المعاش إعتذر عن رئاسة تحرير جريدة "الأساس" التي أعتزم
السعوديون أصدارها ، وكان في ذلك الوقت منصرف لأعماله الثقافية و الفكريه
المختلفة ؛ لذلك كان بعده عن السياسه موافقاً لهوى في نفسه من إيثار
العزلة ، و إستقلال في الرأي و حرية في التفكير .
شخصية لا تعطي لوناً واحداً
كانت
المعرفة و الثقافة و التحصيل العلمي هيا الشغل الشاغل لأحمد أمين ، حتي
إنه حزن حزناً شديداً علي ما ضاع من وقته أثناء توليه المناصب المختلفة ،
و رأي أن هذه المناصب أكلت وقته و بعثرت زمانه ووزعت جهده مع قلة فائدته ،
و أنه لو تفرغ لأكمال سلسلة كتاباته عن الحياة العقلية الإسلامية لكان ذلك
أنفع و أجدي و أخلد . وقد إمتازت كتاباته بدقة التعبير و عمق التحليل و
النفاذ إلي الظواهر و تعليلها ، و العرض الشائق مع ميله إلي سهولة في
اللفظ وبعد عن التعقيد و الغموض فألف حوالي 16 كتاباً ، كما شارك مع
الأخرين في تأليف و تحقيق عدد من الكتب لأخري ، وترجم كتاب في مبادئ
الفلسفة .
النهاية
وقد أصيب أحمد أمين قبل وفاته بمرض في عينه ، ثم
بمرض في ساقه فكان لا يخرج من منزله إلي لضرورة قصوى ، ورغم ذلك لم ينقطع
عن التأليف و البحث حتي توفاه الله في (27من رمضان 1373م=30 من مايو
1954م) ، فبكاه الكثيرون ممن يعرفون قدره . ولعل كلمته :" أريد أن أعمل لا
أن أسيطر" مفتاح هام في فهم هذه الشخصية الكبيرة .
الخاتمة
عرضت في هذا التقرير موجز لحياة الأديب المصري أحمد أمين و كتاباته و ماذا كتب عنها ...
و
أتمني أن يستفيد كل قارئ و كاتب من حياة هذا الأديب ، و أن يكون مثلهو
متعلماً محباً للعلم و الدراسة ، و يكون طالا مثاراً و باحثاً عن العلم و
التعلم ...
المراجع
1- محمد رجب البيومي : أحمد أمين -مؤرخ الفكر الإسلامي – دار القلم –ديمشق-الطبعة الأولي – (1422ه = 2001) .
2- فيهم حافظ الدناصوري : أحمد أمين و أثره في اللغة و النقد الأدبي – مكتبة الملك فيصل الإسلامية – الهرم – مصر – 1986م .
3- لمعي المطيعي : هذا الرجل من مصر –دار الشروق – الطبعة الأولى – (1417ه = 1997م) .
شهدت مصر في الفترة بين أواخر القرن
التاسع عشر ميلادي ، و أوائل القرن العشرين تكون جيل من العلماء
الموسوعيين في كافة المجالات ، استطاع ان يقود الحياة الثقافية في مصر و
العالم العربي ردحا من الزمان ، واستطاع أيضاً ان ينير الطريق الثقافي
للأجيال التي جاءت بعده لتبني علي مجهوداته و لتكمل مسيرته وقد رأي هذا
الجيل أن يقود الناس من خلال الكلمة و الفكر قبل السياسة و الحكم ، و لذلك
اهتم اهتماماً قل نظيره بتثقيف نفسه ، فتعامل مع الينابيع الصافية و
الأصيلة للحضارة و الثقافة العربية و الإسلامية ، و في الوقت نفسه تعامل
وتفاعل مع الحضارة و الثقافة الغربية .
النشأة
ولد أحمد أمين
إبراهيم الطباخ في ( 2 من محرم 1304 ه = 11 من أكتوبر 1886م) في القاهرة ،
و كان والده أزهرياً مولعا بجمع كتب التفسير و الفقه و الحديث ، و اللغة و
الأديب ، بالإضافة إلي ذلك كان يحفظ القرآن الكريم الذي يتلوه أبوه صباح
مساء . و إهتم والده به منذ الصغر ، وساعده في حفظ القرآن الكريم ، وفرض
عليه برنامجاً شاقاً في تلقي دروسه وعوده علي القراءة و الإطلاع ، كما كان
الأب صارماً في تربية أبنه يعاقبه العقاب الشديد علي الخطأ اليسير ؛ و هو
ما جعل الابن خجولاً ، و عرف عنه أيضاً إيثاره للعزلة ، فاتجه إلي الكتب
بدلاً من الأصحاب ؛ فمنت عقلية علي حساب الملكات الأخري .
مدرسة القضاء الشرعي
وقد
نشأت في تلك الفترة مدرسة القضاء الشرعي التي اختير طلابها من نابغي أبناء
الأزهر بعد امتحان عسير ، فطمحت نفس أحمد إلي الالتحاق بها ، واستطاع بعد
جهد أن يجتاز اختباراتها ، و يلتحق بها في (1325 ه = 1907م ) ، وكانت
المدرسة ذات ثقافة متعددة دينية و لغية و قانونية عصرية و أدبية ، و
اختيار لها ناظر كافء هو " عاطف باشا بركات " الذي صاحبه أحمد أمين ثمانية
عشر عاماً ، و تخرج في المدرسة سنة (1330ه = 1911م) حاصلا علي الشهادة
العالمية ، واختاره عاطف بركات معيداً في المدرسة فتفتحت مفس الشباب علي
معارف جديدة ، و صمم علي تعلم اللغة الإنجليزية فتعلمها بعد عناء طويل ،
وفي ذلك يقول :"سلكت كل وسيلة لتحقيق هذه الغاية ". و شاءت الأقدار أن
يحاط وهو بمدرسة القضاء الشرعي بمجموعة من الطلاب و الأساتذة و الزملاء
لكل منهم ثقافتهم المتميزة واتجاهه الفكري ؛ فكان يجلس مع بعضهم في
المقاهي التي كانت بمثابة نواد وصالونات أدبية في ذلك الوقت يتناقشون ،
واعتبرها أحمد أمين مدرسة يكون فيها الطالب أستاذا ، و الأستاذ طالبا ،
مدرسة تفتحت فيها النفوس للاستفادة من تنوع المواهب . وكان تأثير عاطف
بركات فيه كبيراً ؛ إذ تعلم منه العدل و الحزم و الثبات علي الموقف ، كان
يعلمه في كل شيء في الدين و القضاء و في تجارب الناس و السياسة ، حتي إنه
أقصي عن مدرسة القضاء الشرعي بسبب وفائه لأستاذه بعدما قضي بها 15 عاماً
نال فيها أكثر ثقافته وتجابه ؛ لذلك قال عن تركها :" بكيت عليها كما أبكي
علي فقد أب أو أم أو أخ شقيق "
القضاء و العدل
شغل أحمد أمين وظيفة
القاضي مرتين الأولي سنة(1332ه= 1913م) في "الواحات الخارجة" لمدة ثلاثة
شهور ، أما المرة الثانية فحين تم إقصاءه من مدرسة " القضاء الشرعي " لعدم
اتفاقه مع إدارتها ،بعد أن تركها أستاذه عاطف بركات ، وأمضي في القضاء في
تلك القترة أربع سنوات ، عرف عنه فيها التزامه بالعدل وحبه له ، حتي صار
يلقب بـ"العدل" ، واستفاد من عمله بالقضاء أنه لايقطع برأي إلا دراسة و
تمحيص شديد و استعرض للآراء و الحجج المختلفة ، ولم تترك نزعة القضاء نفسه
طيلة حياته بدءا من نفسه حتي الجامعة .
السياسة
كانت السياسة عند
أحمد أمين تعني الوطنية لا يرى فرقا بينهما، وترجع معرفته بالسياسة و
أقطابها إلي أستاذه عاطف بركات ، وقد أعجب الزعيم سعد زغلول به و بوطنيته
، و بدقة تقاريره التي كان يكتبها عن أحوال مصر إبان الثورة 1919 ، ورغم
ميله للوفد فأنه لم يشارك في السياسة بقدر كبير خوفا من العقوبة ، وفي
صراحة شديدة يقول :"ظللت أساهم في السياسة و أشارك بعض من صاروا زعماء
سياسيين ، ولكن لم أندفع اندفاعهم و لم أظهر في السياسة ظهورهم لأسباب
أهمها لم أتشجع شجاعتهم ؛ فكنت أخاف السجن و أخاف العقوبة " . ولما قارب
سن الإحالة إلي المعاش إعتذر عن رئاسة تحرير جريدة "الأساس" التي أعتزم
السعوديون أصدارها ، وكان في ذلك الوقت منصرف لأعماله الثقافية و الفكريه
المختلفة ؛ لذلك كان بعده عن السياسه موافقاً لهوى في نفسه من إيثار
العزلة ، و إستقلال في الرأي و حرية في التفكير .
شخصية لا تعطي لوناً واحداً
كانت
المعرفة و الثقافة و التحصيل العلمي هيا الشغل الشاغل لأحمد أمين ، حتي
إنه حزن حزناً شديداً علي ما ضاع من وقته أثناء توليه المناصب المختلفة ،
و رأي أن هذه المناصب أكلت وقته و بعثرت زمانه ووزعت جهده مع قلة فائدته ،
و أنه لو تفرغ لأكمال سلسلة كتاباته عن الحياة العقلية الإسلامية لكان ذلك
أنفع و أجدي و أخلد . وقد إمتازت كتاباته بدقة التعبير و عمق التحليل و
النفاذ إلي الظواهر و تعليلها ، و العرض الشائق مع ميله إلي سهولة في
اللفظ وبعد عن التعقيد و الغموض فألف حوالي 16 كتاباً ، كما شارك مع
الأخرين في تأليف و تحقيق عدد من الكتب لأخري ، وترجم كتاب في مبادئ
الفلسفة .
النهاية
وقد أصيب أحمد أمين قبل وفاته بمرض في عينه ، ثم
بمرض في ساقه فكان لا يخرج من منزله إلي لضرورة قصوى ، ورغم ذلك لم ينقطع
عن التأليف و البحث حتي توفاه الله في (27من رمضان 1373م=30 من مايو
1954م) ، فبكاه الكثيرون ممن يعرفون قدره . ولعل كلمته :" أريد أن أعمل لا
أن أسيطر" مفتاح هام في فهم هذه الشخصية الكبيرة .
الخاتمة
عرضت في هذا التقرير موجز لحياة الأديب المصري أحمد أمين و كتاباته و ماذا كتب عنها ...
و
أتمني أن يستفيد كل قارئ و كاتب من حياة هذا الأديب ، و أن يكون مثلهو
متعلماً محباً للعلم و الدراسة ، و يكون طالا مثاراً و باحثاً عن العلم و
التعلم ...
المراجع
1- محمد رجب البيومي : أحمد أمين -مؤرخ الفكر الإسلامي – دار القلم –ديمشق-الطبعة الأولي – (1422ه = 2001) .
2- فيهم حافظ الدناصوري : أحمد أمين و أثره في اللغة و النقد الأدبي – مكتبة الملك فيصل الإسلامية – الهرم – مصر – 1986م .
3- لمعي المطيعي : هذا الرجل من مصر –دار الشروق – الطبعة الأولى – (1417ه = 1997م) .
الخميس مايو 26, 2011 2:18 pm من طرف زائر
» تكفون ردوووووووو
الثلاثاء مايو 17, 2011 3:58 pm من طرف ابوسنكوح
» الاكاديميه العربيه للنقل البحري والتكنولوجيا
الجمعة يونيو 11, 2010 12:39 pm من طرف capten atya
» مشروع مادة الجيولوجيا عن عوامل التجرية الطبيعية
السبت مايو 22, 2010 4:32 pm من طرف HeMa PoP
» رجعت لكم من جديد بمشروعين للوحده الخامسه والسادسه جاهزين لعيونكم الحلوه
الإثنين مارس 01, 2010 6:45 pm من طرف HeMa PoP
» هدية هيما كما عودكم في نهاية كل فصل بـ{22}تقريرانجلش مع البوربوينت جاهزين ناقصين اسمك وعيش يامعلم
الثلاثاء نوفمبر 24, 2009 5:38 pm من طرف HeMa PoP
» أجمد موقع للتوبيكات ممكن تشوفه بحياتك>>>>
الثلاثاء سبتمبر 08, 2009 1:03 pm من طرف Gental man
» ووظائف الماسنجر مهم جدا
الإثنين سبتمبر 07, 2009 5:02 pm من طرف Gental man
» توبيكات رومانسيه ملونه بالصوره
الإثنين سبتمبر 07, 2009 2:00 pm من طرف Gental man
» Messenger Plus! Live 4.80.356 Final compatible with Messenger 2009
الإثنين سبتمبر 07, 2009 1:50 pm من طرف Gental man
» ابتسامات للماسنجر
الإثنين سبتمبر 07, 2009 1:44 pm من طرف Gental man